لقد انتقل المسرح وعبر العصور ضمن مراحل عديدة وتجارب و ورشات عمل متنوعة وغنية عبر مبدعين حقيقيين, و وصل الى يومنا هذا بالشكل الذي تعرفنا عليه,وحمل معه جميع معاني الفن الانساني بصوره و تعابيره المتنوعة,بحيث قدم للبشرية و العالم خدمة انسانية نبيلة و فريدة من نوعها,من خلال الابداع الفني
لذا لابد لنا ان نحدد موقفنا من الذين يحددون المجال المسرحي و ابداعاته ضمن دائرة مغلقة ومقيدة بقوانين البلد الذي نشأة فيه .المسرح هو ملك الجميع لا تحدده اطر و قوانين حتى لو كان المنبع الاصلي في الطرف الاخر من العالم,حيث نتلمس في المسرح القيم الجمالية و الذائقة الفنية و التطور المدني و التحول نحو الديمقراطية ومن ثم التوجه نحو حرية الانسان و بالتالي تؤدي الى حرية الرأي و الفكر ليشكل كتلة من العلم والاخلاق و الابداع, ويذكر في كتاب علم الاخلاق الماركسي من تأليف مجموعة من اساتذة الاتحاد السوفيتي السابق بأن(الجانب الفني يكون متضمنا في العلم و الاخلاق على حد سواء,والفن نفسه لا يكون مفهوما بدون الانعكاس النموذجي للقيم الاخلاقية. وعلى هذا الشكل فأن لكل أسلوب من أساليب استيعاب الانسان للعلم ليس فقط خاصيته,استقلاليته ولكنه لا ينفصل عن الاساليب جميعها,في تنوعها الذي يكمل الواحد منها الآخر,تحمل مهمة واحدة توحدها وهي خدمة تطور المجتمع البشري) ,والفن المسرحي هدفه خدمة البشرية اينما كان وبشتى الطرق و الوسائل.
وفي هذا المجال نؤشر الى المسرح العراقي الذي كان و ما يزال مسرحا ينبض بالحياة من خلال ما قدمه المبدعون من أمثال ابراهيم جلال,قاسم محمد,سامي عبد الحميد,عادل كاظم,وعوني كرومي....وآخرون من مبدعي المسرح العراقي,حيث من خلالهم تعرف العالم العربي و الغربي على مجموعة من العادات و التقاليد و الفلكلور و الثقافة العراقية عبر مشاركاتهم في المهرجانات العربية و العالمية.
لا ريب ان المسرح يحدد هوية البلد,ولكن في نهاية المطاف هو العالم الذي يجمع فيه جميع الهويات و الجنسيات المختلفة,كما تتبين في تجربة بيتر بروك عندما شكل فرقته المسرحية المتكونة من جنسيات متنوعة و منتمين الى ثقافات مختلفة و تنقل بهم من بلد الى آخر كي يقدم فيها عروض مسرحية متنوعة,ولاشك تعد هذه التجربة دليلا ماديا ملموسا على ان المسرح هو مصدر ثقافي موحد ولكل بلد خاصيته الملموسة ضمن عالم معرفي وجمالي الذي لا يمكن ان نضعه في موازين سياسية متطرفة تحت ما يسميه الاخر الغزو الثقافي, لا يمكن فلا يمكن تعليم ثقافة الآخر الا اذا تأتي عبر الآخر و عبر باحثين و مبدعين في المجال الفني و المسرحي و الثقافي